.
تشهد سوريا تطوراً بالغ الخطورة مع تسارع الاستعدادات الأمريكية للانتشار في قاعدة جوية استراتيجية جنوب دمشق، في خطوة تعكس تطوراً نوعياً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تحت غطاء المهام الإنسانية. يسعى هذا الوجود لتحقيق مجموعة متشابكة من الأهداف تشمل المراقبة الأمنية للاتفاقيات السورية-الإسرائيلية، وتعزيز القدرات اللوجستية، وتطوير الوجود الاستخباراتي.
سيشكل الوجود الأمريكي في القاعدة حلقة وصل حيوية تمتد من قواعد التنف والشمال السوري، مروراً بالقواعد الأمريكية في الأردن والعراق، إلى الوجود العسكري في فلسطين المحتلة. وسيمكن هذا المثلث الاستراتيجي الجديد (دمشق-صفد-كريات جات) أمريكا من مراقبة المنطقة والسيطرة عليها خدمة لمشروعها التوسعي ومواجهتها لإيران على حساب سيادة الدول واستقرار المنطقة.
تمارس واشنطن ضغوطاً متعددة المستويات على الجانب السوري لإجباره على توقيع الاتفاق الأمني قبل نهاية العام، مستغلةً الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة لتحقيق مكاسب استراتيجية. وقد أسْرَع البنتاغون خلال الشهرين الماضيين إجراءات التقييم الفني للقاعدة، التي يُرجح أن تكون قاعدة المزة الجوية، مع التركيز على جاهزية المدرج الطويل البالغ 2.8 كم.
في هذا الإطار، أكدت مصادر عسكرية سورية تنفيذ طائرات أمريكية من طراز C-130 لعمليات هبوط تجريبية في القاعدة، ضمن سلسلة اختبارات تشغيلية لتقييم الجاهزية العملياتية. وتتخذ واشنطن من "المهام الإنسانية" والخدمات اللوجستية ستاراً لإخفاء أطماعها العسكرية، فتكَرس الاتفاقية الوجود الأمريكي تحت غطاء قانوني هش، محوّلة السيادة السورية إلى مجرد واجهة.
يمثل هذا الانتقال نقلة نوعية من وجود قوات احتلال إلى قوات عسكرية متواجدة بشكل شرعي، مع كل ما يستتبعه ذلك من حماية قانونية وعسكرية. وبالتالي، فإن الوجود الأمريكي في دمشق لن يكون مجرد وجود عسكري، بل نكسة للسيادة الوطنية، حيث تصبح الأجواء السورية فضاء تابعاً للنفوذ الأمريكي، في إعادة إنتاج ممنهجة للنموذج العراقي الكارثي.
يُشكل هذا التطور علامة فارقة في الانزياح الاستراتيجي لسوريا نحو المحور الأمريكي، في تحول جيوسياسي كبير يعيد تشكيل الخريطة الإقليمية. ومن المتوقع أن يتحول الوجود الأمريكي إلى احتلال تدريجي للجغرافيا السورية بأكملها، معززاً بمنظومات عسكرية متطورة وتدفق مستمر للقوات والعتاد.
قد تشكل هذه الخطوة شرارة لتصعيد دولي خطير، حيث تضع واشنطن وجودها العسكري في مواجهة مباشرة مع الوجود الروسي في قاعدتي حميميم وطرطوس، مما يفتح جبهة صراع جديدة. كما تضع هذه التطورات تركيا في مفترق طرق مصيري، حيث تواجه تحديات جسيمة في الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في سوريا، وإعادة تعريف دورها في المعادلة الجيوسياسية المتغيرة
/إنتهى/