.
شهدت "العقيدة الأمنية" الإسرائيلية تحولاً جوهرياً منذ السابع من أكتوبر، حيث انتقلت من سياسة الاغتيالات الانتقائية إلى تبني نهج "الاغتيال الجماعي" كاستراتيجية منظمة تركز على سحق هياكل القيادة لدى الخصوم.
يأتي هذا التحول نتيجة تراكم استخباراتي وتقني طويل، تم خلاله اختراق خصوصيات الحياة اليومية وتحويلها إلى ساحات مراقبة واستهداف، مع استغلال البيانات بأسلوب استبدادي. وقد اعتمد الكيان هذه الاستراتيجية كأداة لاستعادة هيبة الردع داخلياً وخارجياً، في محاولة لخلط الانتقام السياسي والعسكري ضمن منطق عقابي منهجي.
وسمح هذا النهج بقمع الحواجز التقليدية عبر توظيف العملاء واستغلال الثغرات الرقمية، مما أتاح تنفيذ ضربات سريعة ومركزة تتجاوز المعايير القانونية والدبلوماسية المعتادة. كما تجلى الاستبداد في تحويل أدوات الحياة العصرية كالهواتف الذكية إلى شاشات مراقبة، مما يكشف عن بُعد أخلاقي مفقود في التعامل مع المدنيين.
وتمكن الكيان من استغلال تفوقه الهجومي في بيئات تفتقر للدفاعات الجوية لتنفيذ ضربات عميقة، محولاً قدراته التقنية إلى ممارسة شاملة للسيطرة عبر العنف الجوي والبحري. وبعثت هذه الحملات برسالة رعب مفادها أن الكيان بات يقرر مصائر البشر تحت ستار الغطرسة والقتل.
داخلياً، استُخدمت هذه العمليات كأداة لترميم صورة القوة واستعادة الثقة المفقودة، حيث يتم توظيف العنف المنظم كسلاح سياسي. كما تحمل هذه العقيدة نزعة انتقامية طويلة المدى، حيث يغذي ترسيخ منطق الاغتيال ثقافة القتل ويُدخل المنطقة في دوامة متجددة من العنف.
ويتجلى التوسع في دائرة الاستهداف بشمولية عواصم وشخصيات في دول محايدة، مما يكشف عن نزعة انتقامية تتجاوز الحدود القانونية والسياسية، وتعمق عزلة الكيان دولياً. وفي مواجهة هذا النمط الوحشي، بدأت الجهات المستهدفة بصياغة عقائد مضادة تعتمد اللامركزية وتعقيم الاتصالات، مع تطوير هياكل قيادية بديلة وتعزيز الأمن السيبراني كدرع وقائي.
وتكشف وحشية الكيان الإسرائيلي عن توسيع مشهد الصراع إلى مجالات غير تقليدية تشمل الحرب الإلكترونية والاغتيالات الرقمية، حيث تحول القتل المنهجي إلى أداة سياسية روتينية تمنح مكاسب آنية لكنها تشكل تهديداً وجودياً للأمن الجماعي على المدى.
/إنتهى/